مداخلة السيد رفيق الحاج قاسم وزير الداخلية أمام مجلس النواب بمناسبة مناقشته لمشروع التنقيحات المدخلة على المجلة الانتخابية، أجابت في جانب منها على تساؤلات النوّاب، لكنها في نفس الوقت خلّفت عديد الاستفهامات. قد يمنع النظام الداخلي لمجلس النواب في وضعه الحالي السادة النواب من التعقيب على كلمة الوزير والردّ على الاشكالات التي أثارها. وقد يكون بعض السادة النواب غير معنيين ضرورة بالتعقيب إما للانضباط الحزبي، أو تمهيدا للظفر بمدة نيابية جديدة.
لكن كلمة السيد وزير الداخلية التي توجّه بها للنواب مباشرة، ولعموم المواطنين من خلالهم، تحتاج تعميق النقاش بخصوص عدد من النقاط التي وردت فيها.
فهل يمكننا فعلا الحديث في تونس عن ضمان الحكومة حريّـة الرأي والتعبير؟
وهل استجابت التعديلات المدخلة على مجلة الصحافة لمطالب الصحفيين وطموحات المواطنين؟
هل يعكس وجود أكثر من 10 آلاف جمعية في تونس، مناخا مدنيّـا وجمعويّا صحيّـا؟
هل صحيح أن عمليّـات تزوير الانتخابات تخضع لأحكام المجلة الجزائية؟
وهل صحيح أن الوالي عند تعيينه رئيس مكتب الاقتراع ومساعديه، لا يأخذ بعين الاعتبار الانتماءات السياسية؟
لا خلاف مع السيد الوزير في تأكيده بأن «المسيرة السياسية في تونس... لا تخضع إلى تدخلات ونظريات أجنبية بل إلى خيار تونسي بحت». فهذا المبدأ الأساسي المستمد من قيم الجمهورية والمجسد لمعاني الاستقلال، قاسم مشترك بين كلّ التونسيين يدخل الخروج عنه في باب الشذوذ المرفوض والمنبوذ الذي يحتقره التونسيون، ولا يقاس عليه.
لكن أيّـة مسيرة سياسية لا تكتسب قيمتها إلاّ عندما تكون الحريّة فيها هي الأصل والقانون هو الفصل.
فماذا عن ممارسة الحريات العامة في بلادنا، وهي مكفولة دستوريّـا دون أيّ لبس.
أسأل السيد وزير الداخلية وهو المسؤول الأول قانونيا في هذا المجال: كيف تتعامل إدارتكم مع إعلامات بعث الصحف والمجلات الموجهة إليها!؟ هل تحترم القانون وتقبل هذه الإعلامات وتسلّم وصولات مقابلها، مثل ما تفرضه مجلّـة الصحافة؟
كم هو عدد المتقدمين (وأنا منهم) الذين صادرت إدارتكم حقهم القانوني والدستوري في بعث جرائد أو مجلاّت؟
أسأل السيد وزير الداخلية: كيف تتعامل إدارتكم مع تصاريح تكوين الأحزاب المقدمة لها؟ هل تراني مضطرّا لتذكيركم بملفّ حزب تونس الخضراء الذي تحوّل إلى فضيحة أساءت لسمعة بلادنا وصورتها؟ أم تراني أذكركم بالملفات الأخرى المعروضة عليكم والتي لم تحترموا القانون في التعامل معها؟
هل تعبّر الأحزاب المرخص لها حاليا عن تنوّع المجتمع التونسي وثراء توجّهاته؟
هل يمكن لحزب صادر بقرار إداري أن يكوّن عمقا شعبيا ويكون له بالتالي وجود حقيقي ومؤثر؟
أسأل السيد الوزير عن طريقة التعامل الإداري مع بعث الجمعيات والنقابات، التي بلغ عددها حسب قوله حوالي العشرة آلاف. هل تحترم الإدارة في مستوى الولايات والمعتمديات القانون؟ هل تقبل الملفات المقدمة لها وتسلّم وصولات مقابلها؟
هل بلغكم خبر المصدر المسؤول المجهول الهوية الذي وزع بيانا خارجيا أنكر فيه وجود النقابة التونسية للإذاعات الحرة؟ وهي نقابة متكونة حسب مقتضيات مجلة الشغل وغير خاضعة لموجب تسلّم الوصل مثلما هو منصوص عليه بقانون الجمعيات بالنسبة لتكوين الجمعيات. هل يعلم السيد وزير الداخلية بأن هذه النقابة عضو كامل في الاتحاد الدولي للإذاعات المحليّة؟
ليسمح لي السيد وزير الداخلية بأن أراجعه في تصريحه بخصوص خضوع عمليّات تزوير الانتخابات لأحكام المجلّة الجزائية، ويقصد المجلة الجنائية: هل يحمي القانون صوت المواطن الناخب وقراره؟ أخشى أن تكون الإجابة بكلاّ!؟
يؤسفني القول بأنه لا المجلة الجنائية ولا المجلة الانتخابية تشتملان على فصل قانوني وحيد يجرّم تزوير الانتخابات؟
القانون يعاقب سارق رغيف الخبز حتى وإن كان محتاجا. لكنّه في وضعه الحالي لا يوفّر آلية لمحاسبة من يسرق إرادة شعب؟
أما قول السيد وزير الداخلية بأن «الوالي عند تعيينه رئيس مكتب الاقتراع ومساعديه، لا يأخذ بعين الاعتبار الانتماءات السياسية»، فيحتاج للتدقيق والسؤال: هل يوجد نصّ ترتيبي يضبط الشروط العامة المطلوب توفرها في رئيس مكتب الاقتراع ومساعديه!؟
لو راجع السيد وزير الداخلية شريط الأنباء وسأل عن هويّـة أعضاء مكتب الإقتراع الأول ببلدية قرطاج خلال الانتخابات السابقة والتي قبلها، هل تراه سيتمسك بتأكيداته!؟
في ظل التداخل بين الجهاز الإداري والحزب الحاكم: الانتقال بين منصب الوالي والمعتمد الأول والمعتمد من جهة، ومنصب كاتب عام لجنة تنسيق وكاتب عام جامعة ورئيس شعبة في التجمع الدستوري الديمقراطي من جهة ثانية. فضلا عن حضور أمين عام التجمع اجتماعت الندوة الدورية للولاة وإلقائه خطبا توجيهيّا فيها. وفي ظلّ التزوير الثابت والمؤكد في انتخابات سابقة، يبقى تطلّع التونسيين لانتخابات حرة ونزيهة قائما ومشروعا؟
دستورنا الذي نحتفي بخمسينيته هذه السنة يظلّ مشروعا قائما في انتظار استكمال التجسيد، بنضال التونسيين وإرادتهم الحرّة.
وأتمنى أن يرتقي العديد من مسؤولي الدولة بخطابهم العام و أن يحترموا ذكاء التونسيين.
أتمنى عليهم أن يدركوا بأنهم يتوجهون لجيل غير الذي تربّـوا فيه: جيل الجمهوريـة. جيل تربى في مدارس الجمهورية ودولة الاستقلال.
. جيل يسعى إلى صون الأمانة وحماية المنجز الوطني الذي حققته تضحيات مواطنين تونسيين أبرار
تحيا تونس
تحيا الجمهورية
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire